حبر

Thursday, March 30, 2006

بصمات كفها

بصمات كفها

نظرت إليّ بشغف.. استغربته كثيراً.. تفحصتني بعينيها الدقيقتين .. أكاد أسقط مغشياً عليّ من الخجل.. وجهي لم يعد به نقطة حمراء.. أظنه قد بات أصفر شاحباً.. لم أتخيل في يوم من الأيام أن تنظر إلي واحدة منهنّ.. واحدة ممن أذبن عقلي وفؤادي.

أطالت النظر.. ودققت في الملامح حتى أنني أردت أن ألتفت إليها بكل جسدي لأرمقها باهتمام كما ترمقني.. لكن لولاه هذا الكائن الساكن في أعماق أعماقي.. لا لا، هذه المرة لن أمنحها له ستنظر عيناي إليها وليتحطم الخجل وليتهدم على حافة عويناتي.

جميلة هي.. والمطر والليل قد زادا على جمالها رونقاً من المحال أن تصفه أو تمسكه بيديك.. فقط يلمسه وجدانك وتتحسسه عاطفتك التي لا تعرف عن الحب شيئاً سوى تنفس رائحة النسيم التي تشع من جسدها.

قالتها بخفة.. لا.. أظنها تهمس.. تريد محادثتي هي.. أظنني الآن قد نجحت وأصبحت جذاباً.. عبثاً حاولتُ أن ألتقط أول خيط من كلامها بعدما بعثرته حبات المطر التي تكسرت مع أول ارتطام لها بأجسادنا.. بالفعل قالتها وسمعتها لكن دوي انفجارها. كانت أشبه بقنبلة ارتطمت بجبل فأزاحت عنه جبروته فبات ضعيفاً واهناً لا يقوى على الحراك.

ذهبتُ إلى أول مرآة قابلتها على واجهة ذلك المحل الذي وهبنا -من دون قصد- صدق الرؤية وبشاعة الواقع.. فنظرت لها أحاول لملمة ما تبقى لي من حيل الخداع والمرواغة أنني مازلت هو أنا، ذلك الشخص المهمش الذي ألقاه الكون على حافته وتركه يدور حول نفسه.. مهترئة ملابسي.. وجسدي قد اشتكى مرارة التشقق، ولم يعد شعري خفيفا ناعما بل بات ثقيلا خشنا أعيته نومة التراب.. يالغرابة وصفي..! أيحمر وجهي ويصفر مثل الجميع؟؟ كاذب أنا فقد خدعني غروري وشعوري بأنني مازلت بشرياً، فالوجه قد غطته غلاظة الحياة وحفرت فيه بمسمارها ومسارها الخشن نقراً وحفراً وندبات.

لم تكن نظراتها إعجاباً.. لم يكن كلامها إلهاماً.. لا على الإطلاق، بل كانت تلك الشفقة الحمقاء التي لطالما طالتني من نظراتهن.. ويا ندمي على وقت قد أفرغته في أحضانها متخيلاً.. أن تكون بجانبي..

فقد خطفها من أمامي وطار بها بعيداً.. رمقتهما وأوصلتهما إلى أبعد حدود البصر حتى ذابا وأصبحا سرابا.. وتحسست كفي المفرود على آخره فشعرت بها.. تلك القطعة الفضية التي ناولتني إياها.. فقبضت عليها بعزم ما أملك- وياليتني املك- لعلي ألمس ما تبقى من بصمات كفها الرقيق.


*************